– قصة يمنية الرصاصة الطائشة
القصة هذه صراحة شيء يعني صادم، حصلت في عام 2017 في محافظة الضالع في اليمن، في قرية اسمها الفاخر. كان هناك رجل اسمه قاسم، إنسان معروف بأنه إنسان يعني كافي خير، ما عنده مشاكل مع أحد، الكل يحبه، مسالم جدًا جدًا.
يوم من الأيام قرر أنه يتزوج، فصار يبحثوا له يعني النسوان، أهله يعني وقريته وجماعته يدوروا له على بنت الحلال بالمواصفات اللي هو طالبها. وهو يبي بنت جميلة، وبنت تكون من عائلة معروفه، وما يبي ناسب يعني أي عائلة، لا، يبي عزوه، ويبي ناس يعني يفتخر فيهم، هذا هو طبعًا اللي كان يبحث عنه.
وقع الاختيار على مريم. مريم هذه بنت أحد أشهر القبائل المجاورة للقرية اللي هو ساكن فيها. وأهل مريم هذول الناس يعرفون، بعد الأوضاع الأمنية اللي حاصلة في اليمن، أصبحت كثير من القبائل هي اللي تدير شؤونها الأمنية. فكانت قبيلة مريم من القبائل المعروفة جدًا باستخدامها للسلاح والدفاع عن نفسها، وعندهم يعتبر جيشًا صغيرًا للقبيلة نفسها، وما أحد يتجرأ إنه يمسهم بأي سوء. معروفين وعندهم أموال اللي مكنتهم من شراء السلاح والعتاد، يعني أمورهم كانت في العال العال.
وناس من القبائل الأصيلة المعروفة، والبنت جميلة كان هذا يعني هو اللي يطمح له قاسم. شافها الشرعية، أدخلت قلبها البنت، وطلبها يعني بشكل رسمي، ووافقوا عليه لأنه كذلك رجل محترم. تم الزواج وعاش قاسم مع مريم حياة هادئة جميلة مريحة، ما فيها مشاكل.
وقاسم عنده مزرعة ورثها من أبوه، ما شاء الله، مزرعة فيها خير، وعنده عمال، وعنده كذا، فوضعيته المادية كانت جدًا ممتازة. ومريم امرأة تبين أن شخصيتها قوية، متربية على العز، ومتربية على أن وجودها في ضمن قبيلة قوية، وإخوانها كبار ومعروفين، وكل واحد له صيت وله سمعة
فالبنت طالعة على أهلها وعلى إخوانها، وهي كذلك طيبة وجيدة. فكانت هي تدير شؤون البيت، ومتفرغة. قاسم يعمل في المزرعة، والله رزقه منها ثلاثة من الأولاد وبنتين. أكبر الأبناء اسمه أحمد. أحمد طلع يعني على وجه الدنيا. وحياته يعني ما فيها أي مصاعب، الخير متوفر ويكمل دراسته، ويهتمون في أسرته، يعني الأمور طيبة.
لكن، بعد ما وصل في عمر المراهقة، يعني 14 أو 15 سنة، تبين أن أحمد هذا يعاني من قلة الثقة بالنفس. وهذا الشيء أثر حتى على علاقته مع أصدقائه والمقربين منه. صار الولد يعني يتحاشى الجلوس مع أقرانه أو أصدقائه، دائمًا وحيد، وتعرض للكثير من التنمر. وأنتم عارفين، للأسف، المجتمعات إذا شافوا واحد ضعيف، بدل ما يساعدونه، يتنمرون عليه. هذه طبيعة البشر.
يشوفون أحمد يعني انطوائي، وفي حال سبيله، ما يحب يحتك، يخاف. يعني الولد يخاف وما يعرف يرد. وصاروا يضغطون عليه، أصدقاؤه وزملاؤه في المدرسة يتنمرون عليه ويغلطون عليه. وصار أحمد أيقونة للتنمر أو المسخرة. كل واحد يبي يتنمر، يلقى أحمد هو الضحية. وأحمد أبداً ما يرد ولا يتكلم، ولا يقول أي شيء، ساكت المسكين.
بعد فترة، اكتشف قاسم المعاناة اللي يمر فيها ولده، لأنه حتى شخصيته تغيرت. صار الولد يعني دائمًا ساكت، يخاف حتى إنه يطلع بروحه برا البيت. يحرج من إنه يدخل مجالس الرجال. وهذا قاسم يعني حاط آماله كلها على هالولد، إنه بكرة يكبر ويتحمل المسؤولية، ويكون هو يعني من بعده.
فشاف شخصية ولده، يعني الولد يحتاج للعلاج، يحتاج للمساندة. عنده مشكلة. صار يكلم ابنه، يقول: “يا ولدي، أنا ما أريد تخرج، ما أريد تروح، ما أريد تقابل ناس، ما أريد أجلس”.
أحمد يقول: “أنا خلاص ما أريد أكمل دراستي”. كان الأب حزينًا على ولده. وحتى أمه، كل ما تشوف حالة ولدها أحمد بهذا الشكل، تبكي. وأنتم عارفين، كل أم وأب ودهم يشوفون عيالهم أفضل ناس، ويحزن ويتقطع قلبه لما يشوفه يعاني من أي شيء.
فعاشت العائلة في حالة نفسية سيئة بسبب أحمد، وخصوصًا أن الكبير، وهذا راح يؤثر حتى على إخوانه الأصغر منه. إذا هذا الكبير يعني شخصيته ضعيفة جدًا بهذا الشكل، كيف إخوانه الأصغر. ولد كبر، صار 15 أو 16 أو 17 سنة وهو على نفس الحال، وأسوأ.
ومثل ما قلت لكم سابقًا، مريم، اللي هي أم أحمد، إخوانها كانوا يأكلون الزلط. يعني خوال أحمد هؤلاء يفتخرون. أي شخص يكونون خواله، ما يخاف. يعني لما يتجرأ أحد على أي شخص، ويسمع أن هذا قريب له، هالأشخاص هؤلاء يخافون، يبتعدون ويتحاشون. لكن أحمد أبداً ما كان يقول ولا يتكلم.
رجعت مريم إلى أشقائها، وقالت لهم: “ولدي كبر وصار رجال، لكن للأسف شخصيته ضعيفة، وانطوائي، وخايف. ويتنمر عليه اللي في الحارة، ويتنمرون عليه اللي في المدرسة”. هذا كان سبب يعني قطعه للدراسة. أي شخص يشوف أحمد يعايرونه، حتى مطلعين عليه اسم يعني يخليه زعلان وضايق.
في هذا السياق، كان هناك خال له يُدعى عبد الإله. عبد الإله هذا كان من أكثر الشخصيات الحازمة، وله هيبة، وكلمته مسموعة والكل يحسب له ألف حساب. قال: “أحمد، خلوه عندي”.
عبد الإله قال: “راح أحل هالمشكلة. ولأن القريتين قريبة من بعض، ما عنده مانع”. صار عبد الإله كل يوم أو يومين موجودًا في بيت أخته مريم، وهو يأخذ أحمد من إيده ويتمشى به في الشارع.
وكان عبد الإله حاط الخنجر في خصره والسلاح على كتفه، وشخصية معروفة. وكان له هيبة وكذا. ويعلم أو يعطي دروسًا لأحمد في الحياة، ويعلمه كيف يتعامل مع الناس. طبعًا، ما يعلمه البلطجة، بل يعلمه شلون يواجه الرجال، وكيف يسولف معهم، يكون محترم.
وكذلك يضع حدًا لأي شخص يتجاوز عليه. يسانده ويعرف الكثير من الأشخاص اللي كانوا يتنمرون على أحمد، حتى منهم كانوا كبار، ومنهم صغار. كان يقول لهم: “ترى أنا خاله. إذا فكرت يوم من الأيام إنك تنمر عليه، ترى أنا ما راح أتركك. أنا ما راح أخليك، أنا كذا”.
ففعلاً، أحمد يوم عن يوم بدأ يتغير. بدأ يشعر بإنشراح وصار يطلع ويجي، وحتى أنه كون علاقات جديدة مع أصدقاء يحترمونه ويحترمهم. وصار كثير الزيارة لخاله، وخاله يجي عنده. ما مرت عليه أربعة أو خمسة أشهر إلا وصار أحمد شخصية ثانية، يحب الحياة، الطلعات، والجيات.
يذهب عند أبوه في المزرعة، يساعده في نقل المنتجات والبيع والشرا، ومتابعة العمالة. يعني الأم مبسوطة، والأب مبسوط، ويشكرون الله في هذا الخصوص.
أبوه كان يقول: “أنا ما راح أقصر معه، ابني أحمد”. بالعربي، صار يمشي مع سلاحه. وأنت تعرفون، في القرى وحواليها جبال كثيرة، يعني يحتاج أي شخص أنه يكون معه سلاح للدفاع عن نفسه من الحيوانات الضارة أو من بعض قطاع الطرق. هذا شيء طبيعي عندهم هناك.
خصوصًا أحمد، يعني أصبح رجلًا، وصل عمره 18 أو 19 سنة. أحمد اللي يشوفه يقول: “والله، هذا شخصية فارس. كلامه حلو وطيب وخلوق”. وتعرفون، شخص كان يتعرض لسنوات طويلة للتنمر، ثم صارت شخصيته قوية. فهو يعرف معنى القسوة، ويعرف معنى أن الشخص يشعر بشيء عندما يتعرض للتنمر. فكان طيبًا جدًا مع الناس، ويحب يتعرف على الآخرين، اجتماعيَّ.
المهم، السالفة مو هنا، يعني اللي فات هذا في جانب، واللي حصل والكارثة الكبيرة في جانب آخر. يوم من الأيام، جاء في بال عبد الإله يزور أحد أصدقائه في قرية الفاخر، وهي القرية اللي ساكنة فيها أخته. فقال لنفسه: “يلا، أروح لصاحبي، ومن هناك أروح إلى بيت أختي، أسلم على زوجها وعيالها، وأشوف أحمد، وأشوف أختي”.
فرح زار صديقه، وبعد ما خلصت الزيارة، راح إلى بيت أخته. وجاء قاسم، اللي هو زوج أخته، وأخته قامت تسوي له العشاء. وأحمد يحضن بخاله، يحب عبدالإله، يموت فيه. كانوا جالسين في الديوان، وقاسم يسولف مع عبدالإله: “كيف الحال؟ شلون أمورك؟ طيب، ها وين كنت؟”
يقول: “والله كنت جاي عند فلان”. وأحمد جالس، طبعًا أحمد ماسك سلاحه، أحمد 24 ساعة مع سلاح. وتعرفون، دائمًا في الجلسات الرجالية، وخصوصًا في المجتمعات اللي يحملون أسلحة، يبدأون يستغلون الوقت في صيانة السلاح، وتنظيفه، وتجهيزه.
وأحمد كان ماسك السلاح ويعدل فيه ويضبط، وفجأة تنطلق رصاصة طائشة.
يا ساتر، يا ساتر، يا ساتر، جاءت في رأس الخال! الطلقة اللي طلعت من سلاح أحمد بالخطأ، جات في رأس خاله عبدالإله.
يلا، أخي، رُقع الموضوع. أنت عاد قول لي، فكك، احنا نسميها بالكويتي: “فكك السالفة”. يلا، الخال ما مات، على طول بدأ يصارع وينزف.
قاسم انجن، وأحمد بدأ يصرخ ويحضن بخاله: “والله بالغلط، يا خالي، والله بالغلط! لكن الحين هذا مو وقته، هذا مو وقت الكلام”. قاسم أخذ عبدالإله، وبدا يركض به، حطه في السيارة، ويطير إلى مركز طبي قريب منهم. وأول ما وصل للمركز، فارق الحياة.
كارثة يعني، هالطلقة هذه ما جت إلا برأس الخال. قاسم يقول: “يا ريت هالطلقة جت في قلبي أنا، ولا إنك تقتل خالك بالغلط. الحين شلون أقول للناس؟”
وشلون أفهمهم، وشلون أخليهم يصدقوني الحين إنه كان بالخطأ؟ أحمد طبعًا خلاص، ما هو قادر يستوعب إنه قتل أعز شخص عنده في الدنيا. واللي يسمع السالفة ما يصدق.
معقولة أحمد يقتل خاله عبد الإله؟ لو قاتل أي واحد ثاني، ممكن نصدق نقول بالخطأ. لكن يقتل هالشخص العزيز، شلون؟ قال: “بالخطأ، يا جماعة، الرجال ينظف سلاح، وما نظف سلاحه إلا قدام خاله”. لكن هذا القدر، وش اللي حصل بعد ما قدر رب العالمين إنه يحصل هالشي؟
رجع قاسم ومعاه ولده أحمد وجثة عبد الإله للبيت. توفى، شو يسوي؟ رجع. أما مريم، ما تدري شو اللي صار. سمعت طلقات رصاص في الديوان وهي تحضر العشاء. يوم راحت، ما لقت أحد.
اخترعت المسكينة، وتصارخ: “ش اللي صار؟ وينهم؟”. ورا بعد ساعة، ساعة ونص، ولا جايين، وهي تشيل جثة أخوها. انجنت أو تبكي وتصرخ: “من قتل أخوي؟” قاسم ما هو قادر يتكلم.
وأحمد يحضن أمه ويبوس يديها ورجليها: “والله يا يمه بالغلط، والله العظيم ما كان قصدي!”.
قالت: “شنو أنت؟ شنو علاقتك؟”. قال: “يا يمه، كنت أنظف سلاحي، وانطلقت الرصاصة، وجت في رأس خالي”.
الأم، صارت تدري إيش راح يصير. تعرف إن إخوانها وعمامها ناس قشران. أقول لكم، ناس لا تدوس لهم على طرف. الحين قاتل أعز واحد بعيالهم، والرجل اللي ما قصر فيكم، قاتل. الحين كيف بيثبتوا له إن الرصاصة جايه في الرأس كأنه واحد متعمد، لكن هي فعلاً كانت بالخطأ.
فالأم صارت تصرخ وتبكي على أخوها اللي مات، اللي يعني من أقرب أشقائها، اللي دائمًا يزورها ويهتم فيها، ويحبها ويحب عيالها. حرام، شلون مات بهالطريقة! وفوق هذا، حزينة على ولدها. تدري إن إخوانها ما راح يتركونه.
وأحمد يبكي: “والله يا يمه بالغلط!”.
قالت: “حبيبي، الحين صار اللي صار، اهرب وروح إلى صنعاء. والله أول ما يوصل خبر لإخواني، راح يجون يقتلونك. اهرب، خلاص!”.
يعني، راح أخوها ما تبي ولدها الكبير يروح. المهم، هرب هو المسكين، مرتعب وندمان وحزين على خاله، وحزين على المصيبة اللي جته فجأة، ما يدري من وين جت.
وراح تشرد المسكين في صنعاء، ما يعرف أحد، ولا عنده أحد يلجأ له. ولا عنده حتى، يوم هرب، ما عنده أحد يوصله. صار يتوسل بالعالم، وما هم عارفين شلون قصته، لين وصل صنعاء واختفى هناك.
قامت مريم وبلّغت إخوانها باللي صار. قالت: “والله العظيم ولدي يعني بالخطأ، ما كان يقصد”.
جاء إخوان مريم وعمامها وعيال عمها، عبد الإله هذا من أغلى وأعز وأكثر الشخصيات تأثيرًا في القبيلة.
سمعوا إنه مقتول برصاصة في الرأس، شنو؟ وجاءوا بكل هدوء، ما تكلموا، لأن بيت أختهم دخلوا. لقوا قاسم، زوج أختهم، يبكي ومنحني رأسه.
سألوا: “مريم، شو اللي صار؟”. قالت: “ولدي، وين ولدك؟”.
قالت: “هرب”.
قالوا: “ماشي”. شالوا جثة عبد الإله، وغسلوه ودفنوه بدون ما يصلوا عليه. وفروا جنبه قبر وخلوا القبر فارغ. قالوا: “ما راح نصلي على عبد الإله إلا لما نحط أحمد بالقبر اللي جنبه. هذا القبر لا أحد يلمسه، خلوه مفتوح لين نجيب أحمد ونحطه فيه، ولا حتى عبد الإله ما نصلي عليه”.
كبر الموضوع، خلصوا العزاء وارجعوا على بيت أختهم. قالوا: “يا مريم، شوفي، أما أن تجيبي لنا أحمد، نبي ننحره ونحطه في القبر، وندفن ويا دار ما دخلك شر، ولا ترى بعد أسبوع بنجي بناخذ عيالك كلهم، أولاد وبنات وزوجك، ونحرم كلهم ونحطهم في قبر واحد جنب عبد الإله، ونصلي عليه. وانت لك الخيار”.
أختهم تبكي: “الله يغلي الله، والله ولدي ما قصد، ولا يحبه، وكذا”. لكن قالوا: “خطأ ولا مو خطأ، خليه يجي”. وعطوها مهلة الأسبوع لحد ما تحاول إنه تجيبه وتستدرجه.
كيف عاد، قام قاسم وراح إلى وجهاء القبائل وعقال القرى اللي حواليه، وجمعهم. جابوا البنادق اللي هي عطوها لأهل الضحية. يسمونها تقديم، يعني للصلح أو عربون صلح. إذا قبلوا هالأسلحة، البنادق، يعني إن في مجال للصلح. لكن أهل عبد الإله رفضوا تمامًا قبول الأسلحة أو أي وساطة في الموضوع.
قالوا: “جيبوا أحمد، نقتله ونحطه وندفن وخلاص، ولا ترى راح مجزرة، وأنتم كيفكم، خلاص ما في حل”.
الأم تبكي، والأب منهار، والعيال يبكون. وهذول يتهدد عليهم كل شوي، داخلين على بيت أختهم، فجأة يدورون في هالغرف والسطح. يقولون: “يمكن متخبي الولد، يمكن رجع، يمكن”. لكن ما يلقون. نفس الحالة، كل يوم يداهمون البيت أو البيوت اللي يشكون إنه موجود فيها.
أحمد وين راح؟ ما يدري. أحمد في صنعاء. يجلس أحمد في صنعاء تقريب الشهر، يتبهدل، يتشرد، ينام بالشوارع، يأكل من الفتات، والناس اللي تعطف عليه، ولا حد يعرف إيش قصته. يبكي الليل والنهار على اللي صار وكذا.
المهم، يوم من الأيام، قدر إنه يتصل على والدته. قال لها: “يا يمه، أنا يعني إذا ما مت على يد خوالي، أنا راح أموت من الجوع. أنا راح أموت في الشارع. يا يمه، أنا ما سويت شيء يعني متعمد. والله العظيم بالغلط، أنا بجي واسلم نفسي، وخلي يسوون فيني اللي يسوونه. يا يمه”.
الأم المسكينة تقوله: “ولدي، خليك بعيد، يا ولدي الله يخليك، يمكن تحن قلوبهم، يمكن الله يهديهم. انتظر شوي”. قرر إنه يجي للبيت، واللي يصير يصير.
خلاص، فعلاً، يومين ثلاثة، ولا أحمد داخل عليهم في البيت على أمه وأبوه وإخوانه. أبو أحمد مصدوم: “أنت، إيش جابك يا ولدي؟ أخاف يداهمون البيت الحين”.
والأم تبكي: “يا ولدي!”. قال له: “يا يمه، خلاص، أنا تعبت نفسيًا، أنا مستعد إني أموت وأرتاح. أنا ما أنام الليل، أنا كذا. إخواني يبكون، عندهم مصيبة فعلاً ما لها حل”.
والله ما له حل، يعني هذه المصيبة إنه دائماً المشاكل حلها بالفلوس. أحيانًا في مشاكل ما لها حل، لا بالفلوس ولا بشيء. لازم فيها سفك دماء. هذه هي المصيبة اللي وقع فيها أحمد وأبوه وأمه.
خواله يدورونه، لازم يقطعونه، خلاص، ولا يذبحون أبوه. فقال الأب لأحمد: “انتظر علي، يا أحمد، انتظر هاليومين”.
راح قاسم إلى جاره، عنده المزرعة المجاورة له، وقال له: “يا حجي، أنا فكرت بالعرض اللي أنت سبق أني قدمته لي”.
رد عليه الجار: “أنت تبي تشتري مني المزرعة؟” قال قاسم: “أي، والله، وانت رفضت. وكذا الموضوع قديم”.
قال الجار: “يا حج، أنا وافقت، وإذا عندك يعني المبلغ جاهز، فأنا مضطر”.
قال قاسم: “لا، والله، أنا غيرت رايي. لأن فلوسي ناقصة وكذا”.
قال الجار: “كم ناقصك؟”.
قال: “والله تقريبًا يعني نص المبلغ ما عندي. صرفت، وأنت قلت ما بتبيع”.
رد الجار: “صراحة، راحت فلوسي وعندي التزامات”.
قال: “أنا راضي بالنص”.
قال له: “شنو؟”.
قال: “راضي بنص المبلغ، أعطني إياه، حلال عليك المزرعة”. وفعلاً، يعطيه، ويكون في شهود لحد ما يعني يستكملون الإجراءات.
أخذ المبلغ ورجع البيت، وأعطى أحمد، ولده، الفلوس. قال له: “يا ولدي، أنا بعت المزرعة، وخذ هالفلوس، وروح، وبعد لا تجي عندنا هنا أبدًا، ولا تقول لنا وين تروح. خلاص، عيش حياتك، تزوج، وحاول إنك تشتغل في التجارة. وكذا يا أما إنك تفقد روحك. يا ولدي، خذ هالفلوس، ولا توريني وجهك، ولا حتى تقول لنا وين، عشان أخاف إنه يضغطون علي، وأنا أضعف وأقول لهم وين. روح، وخذ هالفلوس، ولا توريني وجهك”.
والولد يترجى أبوه: “لا، شي، يبا الله يخليك، أنا ما أقدر أعيش من دونك ومن دون أمي”.
المهم، لحظة وداع صعبة جدًا. أخذوا هالصدمة، هذه، أثناء ما كان أحمد يبكي: “وين أروح؟ وين؟”.
يقول: “أروح أرض الله واسعة، روح خلك بعيد، وإحنا نتصرف معاهم”. وهم بعد يعني مستحيل إنهم يضروننا بجريمة ارتكبها شخص آخر.
يعني، هذا هو الفهم، أهم شيء، يا يبا، أنك تعيش. صار أحمد يحضن أبو، يبوس يديه ورجليه ورأسه، ويحضن إخوانه واحد واحد. خلاص، يريد يودع.
التف يدور على أمه. الأم بعد ما تتحمل، مسكينة. صار يدور: “وين أمي؟ وين أمي؟ مستحيل أطلع إلا أشوف أمي”. وتطلع الأم، اللي هي مريم، أم أحمد، طلعت من الغرفة وهي ماسكة سلاح.
قالت له: “أهلا. ليش؟” وتجي عند رأس أحمد، وهو مذهول ومصدوم، وقال: “ليش يا يمه، ليش رافعة السلاح عليّ؟”.
ما كان مستوعب، ثم تطلق عليه النار. رصاصة تصيبه في الجبهة وتقتل أحمد.
وتلتفت على زوجها وعيالها: “أنا مجبورة، حفاظًا على أرواحكم. ومهما هرب، أنا عارفة إخواني ما راح يتركونه، وراح يقتلونه. على الأقل يموت قدام عيني، وأنا أدفنه بيدي، ولا إنه يموت ويرمون جثته في هالصحراء أو هالوديان”.
انجن قاسم، انجن: “شلون، شلون؟ وقتلت ولدي! شلون أم تقتل ولدها بهالصورة هذه؟”.
والمُقوى بأس وقلبه قوي، غريب. وبَلّغت إخوانها في الموضوع.
وجاءوا.. إيش سووا؟ قاموا يغسلون الولد ويدفنونه في القبر. صلوا على خاله، وصلوا على الولد، وسووا عزاء. خواله عزاء، الأب منهار، ما قادر يقوم. يعني خلاص، من المنظر اللي شافه.
شلون قتل ولده قدامه؟ ما هو قادر يعني حتى يقوم ولا يسوي عزاء. خواله هم اللي عزا. كأنه مو هو اللي قاتل خاله، لا، خلاص. خذنا حقنا، انتهى الموضوع. لكن هذا عزاء، شيء غريب اللي حصل.
وفعلاً كانت من أغرب القصص اللي مرت
على هدا الموقع
دفنوا احمد وخاله وانتهت الحكاية.